احتفال مركز خدمة القرآن الكريم في طرابلس
السبت، ٢١ أيار، ٢٠٠٥
صاحب السماحة،
أيها الأخوة الأفاضل،
أيها الأصدقاء،
أيها السادة،
يسرني ويشرفني اليوم أن نجتمع إكراما للقرآن الكريم، ولقرائه وحفظته. وقد ظل المسلمون منذ أيام الرسول صلوات الله وسلامه عليه وإلى اليوم يسيرون على تلك السّنة الحميدة التي تركهم عليها رسول الله في العناية بالقرآن الكريم تلاوة وقراءة وحفظا. ونعرف أن طرابلس الفيحاء كانت وما تزال أحد أكبر مراكز هذا العلم الشريف المبارك. فقد كان الشيخ كبارة كبير قراء لبنان وبلاد الشام لما يزيد على الأربعين عاما. وعندنا اليوم في طرابلس وصيدا وبيروت عشرات الكهول والشباب من أهل الله، أهل القرآن، علما وعملا تربية وأخلاقا.
أيها العلماء الأفاضل،
أيها الحفل الكريم،
إننا نجتمع هنا للعناية بالقرآن الكريم، وللتداول في الأمور العامة. فنحن نمر بمرحلة تحولات كبرى، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعلى مشارف الانتخابات النيابية التي سيكون لها ما بعدها لجهة التغيير السياسي، ومتابعة عمليات بناء الدولة، وصنع مستقبل جديد للبنان وللبنانيين.
إنها مرحلة مهمة وخطرة تلك التي نمر بها بسبب هول جريمة الاغتيال من جهة، والتجاذبات التي تشتد بسبب الانتخابات من جهة آخرى. وعندنا أيضا مشكلات كبرى مضت عليها سنوات وسنوات في الاقتصاد والسياسة والادارة. ويتطلب ذلك كله ليس المتابعة فقط، بل العمل باعتبارنا جميعا مواطنين مسؤولين، ولأن الفرصة موجودة لتطوير شأننا العام، ولمواجهة القضايا الكثيرة والخطيرة التي لن يحلها أحد سوانا.
أيها الأخوة،
نحن ننطلق في رؤيتنا لاصلاح الأوضاع في البلاد من ثوابت أولها الطائف والدستور ووثيقة الوفاق الوطني. والطائف ليس كلمة تقال، بل هو تعبير عن اجماع اللبنانيين، وتعبير عن إرادتهم بالعيش المشترك. وقد صار فضلا عن هذا وذاك دستورا أنهى الحرب، وتمت في ظله عمليات البناء والاعمار وتفعيل مؤسسات الدولة. ونحن لا نريد العودة للحرب، وانما نريد العودة للطائف وباتجاهين: اتجاه تصويب واصلاح ما جرى تشويهه بالممارسة حينا وبالتجاهل أحيانا، واتجاه إكمال ما لم يتم تطبيقه، لأنني أعتبر ان لا توازن ولا بناء للدولة بعد الانتخابات إلا باستلهام اتفاق الطائف واحترام نصوصه.
لقد نفذت أعمال تطويرية كبرى في الاقتصاد، وفي الاعمار بالذات. لكن الجانب السياسي من الحياة الوطنية لم ينل ما يستحق من رعاية، مما أشعر مواطنين كثيرين وجهات سياسية كثيرة بالظلم والاحتجاج والاحساس بالتهميش. والحياة الوطنية اللبنانية القائمة على التوافق والتوازن لا تقبل اختلالا كبيرا كالذي حصل كما لا تتحمل الاستمرار فيه.
ولا بد من تصحيح الخلل لجهة استقلالية القضاء واستقامة عمل المؤسسات الدستورية ولجهة وضع قوانين دائمة للانتخابات بحسب الطائف وقانون جديد للأحزاب وتفعيل المجلس الدستوري ولتطبيق الطائف لجهة منع الأجهزة الأمنية من التدخل في الحياة السياسية.
إن هذه الأمور جميعا ما عادت تحتمل الاهمال والتأجيل أو التأخير، وإلا كان معنى ذلك المزيد من خسارة الثقة بنا من جانب الأخوة والأصدقاء والمزيد من ضياع الفرص في قيام الدولة المدنية والديموقراطية التي تريد أجيالنا الشابة تحقيقها كما بدا في 14 آذار ولا بد أيضا من مبادرات كبرى اقتصادية لمواجهة المشاكل الآتية وإننا بحاجة إلى نظام سياسي تتوافر له سمات الاجماع التي يتطلبها الطائف بحيث لا تعطل السياسة الاقتصاد ولا يُعذر الاقتصاد بالسياسة ومشكلاتها ومآزقها.
وأنا على ثقة أن اللبنانيين الذين اجتمعوا على التحرير والحرية قادرون على التحاور والنهوض والتوافق والاثبات للأشقاء العرب وللعالم إنهم عند حسن الظن في بناء الوطن وبناء الدولة وصنع المستقبل الآخر لهم ولأبنائهم ولكل محبي النهوض والتقدم، محبي لبنان من الأشقاء والأصدقاء. وإسمحوا لي ان أحيي، مع حلول الذكرى الخامسة للتحرير التي نحييها بعد أيام، شهداء لبنان العسكريين والمقاومين الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الجنوب فحرروها، وانتزعوا تقدير العالم وإحترامه وإدراكه بأهمية النضال في سبيل الحق.
أصدقائي وأخواني،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملكم هذا خالصا لوجهه تعالى وأن يُجزي هؤلاء الشباب الذين يقومون بالقرآن آناء الليل والنهار خير الجزاء.
وتحية مباركة للإخوان العلماء ورجالات العلم في هذه المدينة الحبيبة. والسلام عليكم.